البكاء “حتى الموت”!!

بقلم الاعلامى / سيد صادق
أردت أن نعطى لأنفسنا راحة من حالة «الهرى» السياسي التي تلازمنا ليل نهار، أو مشاهدة قنوات تحاول انتهاك قدسية صيام رمضان وحرمته بعرض الأجساد العارية، وانتخاب الوجوه الحسنة، أو الجلوس على المقاهى والخيام العامرة ليلا بكل ما يضيع ثواب الصيام في النهار، وأن نقتبس بعض القصص والأحاديث والحكايات الواقعية المؤثرة، لنتعظ بها ونجمع بها حسنات أتباعها. وأبدأ بحديث نبينا الكريم- صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه: «يأتى زمان على أمتى يذهب فيه الخشوع، ويأتى زمان يكثر فيه موت الفجأة، ويأتى زمان تكثر فيه الزلازل، ويأتى زمان لا يسلِم المسلم إلا على من يعرف، ويأتى زمان يكثر فيه الهرج «القتل»، ويأتى زمان على ناس يتباهون بالمعصية. قيل: متى يا رسول الله؟ قال: يحصل هذا في آخر الزمان، فإذا حدث فانتظروا قيام الساعة». … والله أشعر وكأنهُ زماننا، لما نراه ونحسه، بل ونفعله، والشواهد كثيرة في الآتى: آباء وأمهات يهتمون بطعام ولباس الأبناء، وينسون غرس القيم والأخلاق. موظفون لا يخلصون في أعمالهم بدعوى قلة الرواتب.. ونسوا أن الله يبارك في الرزق الحلال ويمحق الحرام. شباب وشابات يقضون الساعات مشيا ولهوا في الأسواق وعلى النواصى، ويسمعون «حى على الصلاة» ولا تخطوا أقدامهم المساجد.. يسمعون الأغانى بصدر رحب، وإذا سمعوا القرآن ضاقت صدورهم كأنهم يصعدون في السماء ولم يعلموا أن الحلال لا يخالط حراما. نشترى ما لذ وطاب وقل وكثر، وندفع بالآلاف، وعندما نجد صندوقا للصدقة نبحث عن العملة المعدنية لنلقيها، ونفتخر بسماع صوتها في قاع الصندوق. نقوم بضبط المنبه على موعد العمل، ولا نضبطه على صلاة الفجر. نسب بعضنا ونخوض في أعراض خلق الله.. وننسى «كما تدين تدان»، و«مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد». رجال يرون زوجاتهم وبناتهم يلبسن ما يظهر مفاتنهن ولا يغارون ولا تتحرك فيهم نخوة الرجال بدعوى التحرر والتحضر. كان الصحابة يفعلون السُنة لأنها «سُــنة» ونحن نتركها لأنها «سُــــنة»!! طبيبة سعودية تحكى قصة واقعية عن بر الوالدين فتقول: «دخلت علِىِ في العيادة امرأة في الستينات بصحبة ابنها الثلاثينى.. لاحظت حرصه الزائد عليها، يمسك يدها ويصلح لها عباءتها ويمد لها الأكل والماء.. وكانت تصرفاتها غريبة، وردودها على أسئلتى أغرب. فـسألته: هل هي طبيعية؟ قال: إنها متخلفة عقليا منذ الولادة. تملكنى الفضول فـسألته من يرعاها؟ قال: أنا قلت: ومن يهتم بنظافة ملابسها وبدنها؟ قال: أنا أدخلها الحمّام، وأحضر ملابسها وأنتظرها إلى أن تنتهى، وأصفف ملابسها في الدولاب، وأضع المتسخ في الغسيل. قلت: ولم لا تحضر لها خادمة؟! قال: لأن أمى مسكينة مثل الطفل، لا تشتكى، وأخاف أن تؤذيها الشغالة. اندهشت من كلامه ومقدار برّه بأمه، وقلت: وهل أنت متزوج؟ قال: نعم ولدى أطفال. قلت: إذن زوجتك ترعى أمك في أكلها ومشربها؟ قال: هي ما تقصر، ولكن أنا أحرص أن آكل معها حتى أطمئن لأنها مريضة بالسكر. قالت الطبيبة: مسكت دمعتى التي غلبتنى في النهاية.. وفجأة نظرت الأم لـولدها وقالت: متى تشترى لى «الحلوى»؟! قال: تؤمرى.. الآن بنروح على البقالة. طارت الأم من الفرح، وقالت: الآن.. الآن! التفت الابن، وقال: والله إنى أفرح لفرحتها أكثر من فرحة عيالى الصغار، سويت نفسى أكتب في الملف حتى ما يبين أنـّى متأثرة! وسألت: ما عندها غيرك؟ قال: أنا وحيدها لأن أبى طلقها بعد شهر، وتولت جدتى لأمى رعايتى ورعايتها، ولكن توفيت وعمرى عشر سنوات! قلت: هل رعتك أمك في مرضك أو تذكر أنها اهتمت فيك؟ أو فرحت لفرحك أو حزنت لحزنك؟ قال: يا دكتورة، أمى كما ترين لا تدرى بشىء، وأنا أتولى أمورها منذ توفيت جدتى. تقول الطبيبة: كتبت الروشتة.. ومسك الولد يد أمـّه، وقال: يالا الآن نروح عالبقالة… قالت: لا ودينى مكـّة! استغربت أنا، وقلت لها: لماذا مكة؟ قالت: عشان أركب الطيارة! قلت لولدها: معقول توديها مكّة؟ قال: طبعا.. والآن!! قلت: هي ما عليها حرج لو لم تعتمر لأنها مريضة، فلماذا تكلف نفسك وتضيّق على أولادك؟ قال: يمكن الفرحة اللى تفرحها إذا وديتها أكثر أجرا من عمرتى بدونها. تقول الطبيبة: بعد خروجهما، أغلقت العيادة، وبكيت من كل قلبى، هي لم تكن له أم، تسهر الليالى.. وتطببه وتبكى لبكائه، ولم يجافها النوم خوفا عليه، ولم.. ولم… ومع كل ذلك.. كل هذا البر! هل فعلنا مع أمهاتنا نصف بل ربع ما فعله هذا الشاب مع والدته المتخلفة عقليـًّا؟ أم فضلنا زوجاتنا وأولادنا عليها، وأكلنا أطيب الطعام بدونها، ولبسنا أفخم الملابس ولم نشتر لها، نزورها في المناسبات والأعياد، وكأننا نتعطف عليها!! فليكن رمضان هو شهر بر الوالدين. الكاتب الاعلامى/سيد صادق مدير المكتب

شاهد أيضاً

الأزمة في تونس: كيف وصلت البلاد إلى هذه المرحلة؟

تحقيق/حماده جمعه في عام 2011 انطلقت شرارة ربيع الثورات العربية من تونس، وما لبثت أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *