الرمز والأثر

كتب    كريم القاسم
إزدحم تاريخنا العالمي برموز بشرية توسدتْ مكانة ً لها في صفحات التاريخ منها بحق ومنها بغير حق ، ومنها ما حُمِلَ بغير مايستحق ومنها ماسُلِبَ حقه من غيرِ وجه حق . وهذه المفارقات لها اسبابها ومسبباتها نتج عنها زوغان عن الطريق وتشويش في الرؤى وانحراف في بوصلة التاريخ لتتجه سفن البشرية الى شطآن ومرافيء غير آمنة وغير مستقرة .
كثيرة هي الاهواء التي تتشبث برموز معينة من غير تدبر ، وكثيرة هي العواطف التي تميل الى الالتصاق بشخوص واهية من غير تفكر ، وكثيرة هي الاهواء التي طَمَستْ حق رموز حفرتْ آثارأ بارزة في صخرة التاريخ قد إستنار بها أعدائنا ليبنوا مجدهم ويثبتوا ركائزهم من اجل بناء حضاري متطور . ومنذ غابر الازمان نَمتْ هذه الظاهرة بفعل اسباب ومؤثرات كثيرة ، منها فوران العامل المادي وتطويع الرقاب بالمال والمنصب والطمع والهدايا ، ومنها مطارق عامل القوة وإذعان الرقاب القسري ، ومنها سجية وطبيعة الافراد في إتّباع الاخرين ممّن هم اكثر قوة وأكبر منصباً وأعلى جاهاً ، وهؤلاء الأتباع يُسَمَون بـ (الإمَّعة) ، فهم فصيل ينعق مع كل ناعق ويزعق مع كل زاعق .
من كل ماتقدم … تراكمتْ افعال سلطوية وسياسية كثيرة وكبيرة على مدى توالي دول وحكومات وامبراطوريات ، بحيث زُوِّرَ التاريخ ، وكُتِبَ بأقلامٍ مُقَـولَبة جاهزة ومأجورة تتغذى على موائد التاج والصولجان ، حتى برزتْ صور لشخصيات كثيرة غَصَّتْ بها رفوف مكتباتنا وتَغذتْ بها عقولنا وتجذرتْ وأورقتْ في دواخلنا منذ الصغر وعلى طول الطريق الدراسي التعليمي وعلى اتساع المحطات الاكاديمية ، مما جعل من هؤلاء الشخوص رموزاً لايجب المساس بهم ، وكأنهم شيء من المقدسات ، دون النظر الى أثر هذه الشخصيات وما أورثوا العالم من تَـرِكة ، ودون معرفة ودراسة النتائج النهائية المؤثرة في حياة وبناء الشعوب ، ودون تفحص لمديات تأثير هذه النتائج بالحضارة العالمية وكيفية تفاعلها مع مفاصل مجتمعاتها ، لكننا عندما نقرأ بتمعن ونتفحص التاريخ دون تعصب وتعنصر ونجهد انفسنا ــ ولو قليلاً ــ بمطالعة امهات الكتب والمصادر ــ بعيدين عن الكتب الفرعية ــ والتي تعتبر مصادر تاريخية مهمة ، سنجد انفسنا في ضياع تام ، فمعظم الرموز التي دشنَّتْ عقولنا ــ والتي لانريد تحديد مسمياتها كي لاينطلق لسان من لايفقه ــ كانت عبارة عن عقول عابثة ليس لها من السياسة والادارة والقيادة إلا الدسائس والمكر والمكيدة مستشفعاً بآلة القمع والهدم والتدمير ، وقد شملَ هذا التدمير كل مفاصل الحياة ، وإستباح الذات البشرية بكل تطلعاتها ، حتى وجدنا انفسنا في أرتباك تام ، وضياع ثقافي يندرج تحت عناوين كثيرة ، منها :
• ضياع في الخزين المعرفي .
• ضياع جهد سنين طوال من القراءة والمتابعة والاندماج .
• ضياع في تتبع ومتابعة الأثر .
• ضياع الحقائق التي تؤشر الى الاتجاه الصحيح.
• تشظي الرؤى في استخلاص العبر والنتائج لخدمة خطوط المستقبل .
• تشتت الاجيال في دروب فكرية شتى .
• عدم وضوح الهدف الانساني الذي يتطلع الى بناء حضاري متطور .
• إضطراب وصِدام فكري عنيف غير مستند الى قاعدة معرفية ثابتة .
• ضياع الهوية الثقافية والتي تؤدي الى ضياع الشخصية وما تنطوي عليها من افرازات .
وقد يتسائل سائل : مالمقصود مما تقدم ؟؟
الجواب : 
إن تمجيد الرموز والشخوص دون النظر في أثرها الحضاري هو من اكثر الامور خطأً وغفلة ، بل إن الباحث والمؤرخ المنصف عليه ان يتعامل مع الأمر بعناية تامة وبعلمية ثاقبة بعيدة عن التمحور والمزاجية أوالخنوع وعبادة التاج . فالنظر في النتائج والأثر هو الهدف المرصود والمنشود لكل مُتحرك ، والنتائج هي التي تخضع للدراسة والبحث والتحليل ، عندها نقول بأن هذا المسمى او ذاك قد وضع بصمة في حياة الانسانية ، ونقل مجتمعه وشعبه الى مراتب التطور والاندماج الحضاري لا أن يبقى متخلفاً يسير خلف الرَكب ناسفاً معالم الطريق وكل علامات الدلالة ، ثم يغير معالم التاريخ بما يرتأي وبما يهوى مستأجراً هذا وذاك من اقلام الهوى ، كي تبقى مؤلفاتهم تصب زيتاً على نار ، أو تَستأسِد كُلّ حمار .
ومن العجيب إننا حين نستكشف ونجمع الحقائق في البحث والتحليل نجد بعض المؤرخين والباحثين لايكتفون بما يكتبونه من كذب وتدليس ، بل يضيفون ماليس مضطرين اليه من عبارات التزويق والتزيين وأحداث وأحاديث تزيد من تمجيد هذه الرموز حتى وإن وردتْ بتواتر وإسناد ضعيف او غير موثوق ، وهذا الامر لاينطبق على حالنا نحن فقط وانما يمتد حتى على مساحة التاريخ الاوربي القديم بل وتاريخ كل التجمعات البشرية وحكومات الكرة الارضية .
• إذاً كيف نتفق مع مؤرخ يمجد رمزاً قد أولَغ يديه بمجازر وساحات دماء ؟
• وكيف نوافق على رأي باحث قد مدح رمزاً لم يسجل التاريخ له بعد رحيله سوى إن شعبه مازال يراوح بمكانه منذ عقود من السنين ؟
• وكيف نقرأ لباحث يقدح في رمزٍ تقـرّ بمحاسنه ونباهة عقله كل جامعات العالم ؟
• وكيف نتوافق إجباراً مع فلسفة تطيح بنتاج معرفة أفرزتها عقول جبارة واقلام وهبتْ ذاتها لتحرير البشرية من الرق والعبودية ؟
• وكيف نعترف بدراسة تمجّد رمزاً راحلاً عن شعبه ليتركه يعيش الكفاف والذل بعد عِـزٍّ وكرامة ؟
• وكيف نربي اطفالنا على التمسك برموز لها مالها من اسباب جعلتْ الامة تزيغ عن جادة الصواب .
• وكيف نكثِّـف في مقرراتنا الدراسية روايات واحداث عربية وعالمية قد أخفتْ تحت قراطيسها حقائق تجعل المحقق والباحث الحصيف في حيرة وارتباك كبيرين فكيف بالتلاميذ والطلاب ؟
• وكيف نتفق مع مراكز بحوث ودراسات لم تستطلع النتائج الصحيحة والآثار الواضحة لرموزٍ جعلتْ شعوبها ميتة أو تحت رحمة الانعاش إن لم تكن في سُبات ؟
• وكيف ؟… وكيف … ؟؟ والاستفهام كبير وطويل لاينتهي بمشوار ولايستقر عند قرار .
انما هي أهواءٌ تُـتَّبع وسُـنَـنٌ تُبتَدَع لاغير .
الأمر برمته يحتاج الى صحوة من قبل الجميع ، وأقصد بالصحوة هو :
• صحوة القاريء والمتلقي ، بحيث لايعتمد اسلوب وثقافة (الـتـلقّـي) فقط ، انما يعتمد ثقافة (المقارنة والتحليل) للوصول الى نبع الحقيقة وما يقبله العقل والفطرة السليمة .
• صحوة الاقلام البحثية الملتزمة ، والتي قد تُجابَه بعوائق كبيرة ، لكنَّ بُرعُم الحقِ ينمو ويزهر ويثمر ولو بعد حين ، والامثلة كثيرة على بساط التاريخ منذ معارضة قابيل لهابيل وحتى لحظة كتابة هذه الحروف ، والكَمُّ وفير لاتسعه دِفاف كتب ولا رفوف مكتبات . 
إن الكثير من المجتمعات المتحضرة مَرَّتْ بهذه الصحوة بقيادة نخبة من مفكريها ، ولاقوا مالاقوا من اضطهاد وإستهزاء بالرأي ، الى أن خلقوا جيلا واعياً مثقفاً مُحلِلاً لا مُجامِلاً مُتلقياً لما يُرمَى اليه ، حتى تَوضَّحَ عندهم ماخفيَّ ، وظهرَ عندهم ما سُتِـر .
إن الوصول للحقيقة وكشفها هو مبتغى كل نفس ، وهدف كل مُحقِـق مُنصِف ، وثمرة يتمنى قِطافها كل باحث عادل ، وأما التمسك بالقشور وجمود العقل فهو سِمة الدواب التي لاتفقه الا الغريزة والانصياع . 

شاهد أيضاً

جلسة تصوير “رومانسية لريهام أيمن وشريف رمزي من المصور إسلام سليمان

سامح علي خضع الفنان شريف رمزي وزوجته الفنانة ريهام أيمن لجلسة تصوير مع المصور إسلام …