صناعة الفرعون

بقلم عبد الوهاب علام

الحاكم هو بشر وطبيعة البشر السعى وراء المجد والقوه والسلطه والانفراد بها ليظل هو الاوحد في بلده ووسط شعبه فعندما قال فرعون انا ربكم الاعلى  لم يقولها الا بعد ان مهدت له بطانته عقول شعبه انه هو الحاكم الاوحد الذي ما يريهم الا ما يري وما يهديهم الا سبيل الرشاد فبعد ان اقتنع شعب فرعون بانه افضلهم رؤية لسبل الرشاد نادى فرعون في قومه دون حياءا او خجلا قائلا  ( انا ربكم الاعلى )

فمنذ فرعون والى يومنا هذا انتشرت وازدهرت صناعة الفرعون وتناقلتها الشعوب العربيه لتتميز عن غيرها من الشعوب بهذه الصناعه التى لاقت روجا بين الحكام العرب فدعموها بكل ما اوتوا من قوة ليكون الحاكم منفردا بالسلطه والقوه فاطلق ابواقه لترسخ مفهوم ان الحاكم ليس كسائر البشر فقد اصطفاه الله عن خلقه  بصفات فاقت الطبيعه بل وصل قمة التطبيل والتهليل الى وصفه بصفات الالوهيه

 الملك المنصور محمد بن ابى عامر عندما دخل عليه شاعر أراد أن ينافقه فانشد له

ما شئت لا ما شاءت الأقدار .. فاحكم فأنت الواحد القهار
فكأنما أنت النبي محمد .. وكأنما أنصارك الأنصار

فلم يملك المنصور نفسه وقتها ، فصاح في الرجل فأسكته، ثم أمر به فضُرِب خمسمائة جلده وشَهَّر به في الأندلس، ثم حبسه، ثم نفاه من الأندلس وقال “لا نجتمع أنا وهو في أرض واحدة

 

وقد اعيدت هذه الكلمات على اسماع حكامنا فما كان الا ان اصبح  ناقلوها من النخبه والمثقفين في زمن صناعة الفرعون 

 

 

وفى محافل الحكام تم  الباسهم رداء النبوة والاصطفاء  يقينا بان الحاكم  مؤيد من عند الله من فوق سبع سموات 

 

الحاكم العربي لا يجوز نقده او معارضه واذا يوما طاوعتك نفسك على فعل ذلك كان العقاب خروجا من المله واسقاط رداء الوطنيه من عليك

ويزداد تقديس الحاكم يوما بعد يوم حتى يصدق الحاكم من حوله انه يمتاز بطبيعة فاقت طبيعة البشر وينسي ان سابقيه من الحكام ايضا كانت لهم نفس البطانه التى اخرجتهم من درجة البشر الى درجة التاليه فزالوا وزالت بطانتهم

النقد ليس انتقاصا بل هو تقييم ومرآة للحاكم وهو تقليص لتلك الصناعه التى انتشرت منذ الاف السنين واذا قبل الحاكم النقد حينها سيتأكد الحاكم انه بشر

واقوى مقومات  صناعة الحاكم الفرعون هى انتشار الاميه السياسيه بين شعبه فينقسم الشعب بين مؤيد ويرى في همسه انجاز وحكمة ذات دلالة لا يستطيع الشعب ان يفهمها فالقول ما قاله ورؤيته هى سبيل الرشاد وبين معارض لا يرى الا اخفاقات وسوءات وان فعله من فعل الشيطان

مؤيد يراه انه قد اوتى القوة والحكمه من عندالله ومعارض يراه انه شيطان ارتدى رداء البشر

وهى قمة الاميه السياسه ان كلاهما لم يتعامل مع الحاكم باعتباره بشرا يخطئ ويصيب الامر الذي يجعل الحاكم عندما يمتلك كل مقومات السلطه يرفع من قدر مؤيديه ويناصرهم لتكتمل الصناعه ويخرج منتج نهائي وهو الحاكم الفرعون

شاهد أيضاً

الأزمة في تونس: كيف وصلت البلاد إلى هذه المرحلة؟

تحقيق/حماده جمعه في عام 2011 انطلقت شرارة ربيع الثورات العربية من تونس، وما لبثت أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *