نظرة

بقلم الكاتبة القصصية / إيمان أحمد
أصابُع كثيرٌة امتدت ، تنهُش كَل ما تطوُلُه من جسِدها ، تخترُق اللحَم وتنفُذ للقلِب والأوردِة ،
تصرُخ ..تسيُل دماؤها تلطُخ أصابَعهم ..يمصون الدماَء ويواصلون التهاَمها حية ، يتعالى صراُخها
حتى يموتَ في حلِقها ..تنتفض ..ينتهي كُل شيء.
أماَم المرآةِ وقَف عارًيا ، يتطلُع في أصابَع الاتهاِم المصوبِة نحَوُه ، يمرُر عينيه في تفاصيَل
جسِدِه البادي الرجولة ، وعضلاِتِه البارزة ، تتوقُف عيناه عند خصلاِت شعِرِه الطويل المسدل على
كتفيه ، يرفع المقص، ويمسك بطرِف الخصلات ، تطُن برأِسِه عشراُت الأسئلة ..ما السُر العظيم في
تلك الخصلات الواهية حتي تنتقص من رجولتِِه ؟! فتؤرق مناَم والدايه ، وتكوَن سبًبا لهمساِت
زملاِئِه ، وامتعاِض مديِرِه ، وضيقِ المصلين بجواِرِه في المسجد ، ومحوِر لجدلٍ دائٍر بين الجيران
علي المقهي ….
لالا ده من عبده الشيطان …يا عم ده عيل سيس ” …
يعوُد للمرآةِ يرى أصابَعهم الملوثة بالاتهامات تتضاعف ، أعينهم تبتلعه ” يترُك المقص ..يُفلُت
الخصلاِت من يديه ….يرتدي ملابَسه ويخرج …
أماَم المرآةِ وقفت عاريًة تتحسُس آثاَر أصابِعِهم علي وجهها ، رقبِتها،صدِرها ،ساقيها ، خصلاِت
شعِرها الملتصقِة بدمائِها ..شعُرها كاَن أوَل ما امتدت إليه أيديهم ليسقطوها أرًضا .. حين تعثرت
في الزحاِم أثناَء المسيرِة التي نظمها الحزب .
كانت جروُحها دامية حين رأت أصابعهم في المرآة مازالت موجهًة ضدها ..”وهي إيه اللي
يمشيها في مظاهرات ؟! ”
تأملت ” الإيشارب” الكبير،والعباءة الواسعة ، أحضرتهم لها أمها لتخفي في طياتِهِم آثاَر
الفضيحة وآثار ابنتها .ارتدت العباءَة ، وأحاطت شعَرها “بالإيشارب ” ، وعاودت النظَر في المرآة .. الأصابع تتكاثر ..تتلوى .. تخرُج من المرآةِ ..من بين الجدران ..من النوافَذ والأبواِب المغ
..تحوُم حولهَا متحفزًة ..متلهفًة لالتهاِمها من جديد ..تخلع العباءة و”لإيشارب ” ..ترتدي
ملابسها المعتادة وتخرج …
علي ناصيِة الشارع .. يأتي هو في الاتجاِه المعاكس لها ، تتقابُل أعيُنهما في نظرٍة خاطفٍة دون
معنى ، يدخل هو صالون الحلاقِة االمجاوِر ” للكوافير ” الذي دخلته هي ..بعد وقتمضى.. يخرج
هو بشعٍر مموجٍ بلونٍ أحمر ناري ، وتخرج هي برأس أصلع تماًما ..وحين التقت أعُيُنهما هذه المرة
..كانت النظرَة ذات معنى !

شاهد أيضاً

الأزمة في تونس: كيف وصلت البلاد إلى هذه المرحلة؟

تحقيق/حماده جمعه في عام 2011 انطلقت شرارة ربيع الثورات العربية من تونس، وما لبثت أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *