الدكتورة أماني محمودعبد الصمد تكتب: متى يكون تعدد الزوجات سببا في التفكك الأسري؟!
إن الشريعة الإسلامية تتكون من نُظُم شاملة متماسكة، وتتمتع بقدراتها الذاتية في ذلك،وقد اهتمت بالنظام الأسري، وهو نظام يكفل للأسرة الاستقرار والاستمرار، ويحقق للأمة الاستعداد التام لتكوين أسر سليمة، منذ نشأتها وتكوينها إلى نموها، تنهض برسالتها على أحسن حال وأكرم غاية، وقد انتظمت تفاصيل ذلك النظام في نسق متكامل لا يستغني فيه بعضها عن بعض، وخلف لنا علماؤنا في كتب التراث الإسلامي فكرا عظيما راقيا، يمثل الرصيد الأكثر شمولا وعمقا وتماسكا من أي رصيد آخر تستند إليه أمة من أمم العالم.
ولكن هناك فجوة بين هذا الرصيد الفكري العظيم وبين واقع المسلمين العملي، وبالربط بينهما يستمر التواصل بين القيم الإسلامية وضوابطها وبين الواقع المعاصر، والمسلمون اليوم بحاجة إلى مزيد من الوعي الأسري الذي يرتفع بهم من معارفهم النظرية إلى ثقافة عملية يعيشونها في الواقع، خاصة وأن التفكك الأسري أصبح من العلامات البارزة في الواقع الاجتماعي المعاش.
والتفكك الأسري يعني: الاضطرابوضعفالتماسكبين أفراد الأسرة [انظر أساس البلاغة: للزمخشري، كتاب الفاء، مادة (ف ك ك) 2/ 32، والمعجم الوسيط، باب الفاء 2/698]
ويعد تعدد الزوجات في عصرنا في بعض حالاته سببا من أسباب التفكك الأسري؛ فيحدث تفككا أسريا؛إما بنائيا: وذلك بطلاق إحدى الزوجات القديمة أو الجديدة، وإما نفسيا: بحدوث صدوع في علاقة الرجل بزوجته وأبنائه من كثرة المشاكل والإهمال.
ويكون ذلك التفكك إما بفعل الزوج أو بفعل الزوجة، كما يلي:
أولا: التفكك الأسري الناتج عن تعدد الزوجات بفعل الزوج
إن تعدد الزوجات له ضوابط في الإسلام، ولكن الرجال في عصرنا لا يحترمون غالبا ضوابط هذا التعدد، فلقد راعى الله سبحانه وتعالى حقوق المرأة، وحذر من عدم العدل بين الزوجات، قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْحَرَصْتُمْ} [النساء: 129] ليبين أن العدل صعب، فمن يملك تقوى الله لن يُقْدِم على التعدد إلا إذا وجد في نفسه الحاجة الملحة لذلك، وتوافرت مقومات ذلك من المقدرة المادية والمعنوية والجسدية، والله سبحانه وتعالى أعلم بنا {أَلَا يَعْلَمُ مَن خَلَقَ وَهُو اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] .
ومَنْ أَقْدَم على تعدد الزوجات دون توافر مقومات ذلك الأمر فيه فسيؤدي إلى تفكك أسري، إما أن يطلِّق الأولى لكثرة مشاكلها وعدم قدرته على احتوائها، أو يطلق الثانية مضطرا لعدم قدرته المالية أو المعنوية أو الجسدية، فيكون ظالما لها، تحاجُّه يوم القيامة.
فليتق اللهَ الرجلُ؛ بأن لا يجلب لنفسه أو لزوجته ضررا دنيويًا أو أخرويًا؛ إن كان ليس أهلا لتعدد الزوجات.
ثانيا: التفكك الأسري الناتج عن تعدد الزوجات بفعل الزوجة
إن كثيرا من الزوجات تعتبر الزوج وكأنه ملك لها وحدها، وأنها ندٌ له في كل الحقوق، ونسيت قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَافَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34] ، ويتضح من الآية الكريمة أن سبب قوامة الرجل أمران:
الأول- وجود مقوّمات جسدية خِلْقية: وهوأنهكاملالخلقة،قويالإدراك،قويالعقل،معتدلالعاطفة،فكانالرجلمفضلاعلىالمرأةفيالعقلوالرأيوالعزموالقوة، لذاخُصّالرّجالبالرّسالة والنّبوة والإمامة الكبرىوإقامة الشعائركالأذان والخطبةوالجمعةوالجهاد،وجعلالطلاقبيدهم،وأباحلهمتعددالزوجات.
الثاني- وجوب الإنفاقعلى الزوجة والقريبة، وإلزامه بالمهر على أنه رمز لتكريم المرأة.
وفيماعداذلكيتساوىالرجلوالمرأةفيالحقوقوالواجبات،وهذا من محاسن الإسلام، قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة 228] أي في إدارة البيت والإشراف على شؤون الأسرة، والإرشاد والمراقبة، وذلك كله غرميتناسب مع قدرات الرّجل على تحمل المسؤوليات وأعباء الحياة، وأما المرأة فلها ذمة مالية مستقلة وحرية تامة في أموالها. [انظر: تفسير الماوردي 1/480، والتفسير المنير: وهبة الزحيلي 5/55]
وبذلك فالرجل بطبيعته التي خلقه الله عليها يستطيع بنص القرآن الكريم أن يجمع بين أكثر من زوجة بضوابط معينة، وهو حق شرعه الله له، وليس فيه أي انتقاص لكرامة المرأة.
ومما يسبب تفككا أسريا أن الزوجة إذا علمت بزواج زوجها؛ إما أن تطلب طلاقها أو طلاق زوجته الجديدة، أو إن رضيت على مضض لظروف خاصة تتعلق بها أو بأبنائها؛ تقوم بخلق المشكلات والمشاحنات، وتهمل الأبناء.
فكل زوجة عليها أن تتقي الله في نفسها بالرضا بالطبيعة التي خلقها الله عليها وبقدر الله.
وأن تتقي اللهَ في زوجها بأن تراعي طبيعته واحتياجاته؛ سواء الجنسية أو النفسية أو رغبته في ذرية، ورضاها فيه خير كثير تجنيه، ومن ذلك:
** تزداد إيمانا بالله وحبا منه سبحانه وتعالى، وتزداد حبا من زوجها؛ حيث يجد فيها المرأة العاقلة المؤمنة التي تحافظ على بيتها وتُرضي ربها وتُسعد زوجها حتى لو تألمت في إسعاده، فهذا هو الحب الحقيقي.
** إن رضيت فلن يشمت بها أحد من الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء؛ لأنها راضية.
** تجد الزوجة ثمرة فعلها في أبنائها وأحفادها فالله يبارك في الذرية وذرية الذرية بعمل صالح لجد صالح.
** تعف امرأة مسلمة وتؤجر على ذلك، وتعف زوجها من الوقوع في فاحشة؛ خاصة ونحن في زمن فتن تحيط بالرجال ليس خارج البيت فقط، بل أصبحت الفتنة تعصف بالرجال عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر وغيرها.
** وربما في زواج زوجها عليها إصلاح له؛ بأن كان الزوج يكره منها خلقا فلما يتزوج الثانية يعرف قدر الأولى وفضلها فيزداد حبا لها، أو كان معسرا فلما يتزوج الثانية يفتح الله عليه من الرزق.
وإذا قدر الله ذلك على الزوجة فليس لذنب فعلته، ولكن لتعلم أن هذا الابتلاء منحة من الله يختبر به إيمانها وطاعتها لله ورضاها بقدره، ولتعلم أن الله ” إذا أحب الله عبدا ابتلاه”. [فيض القدير: للمناوي1/ 73]
والخلاصة:
أن تشريع تعدد الزوجات مباح وتكمن المشكلة في عدم التزام الرجال بما يجب عليهم إذا رغبوا في التعدد، وكثرة التعدد دون ضرورة شرعية، ويترتب على ذلك مشكلات خطيرة يأتي على رأسها التفكك الأسري؛ لذلك كان على الباحثين في الشريعة الإسلامية الاهتمام بالربط بين التراث الفقهي وواقع المسلمين العملي؛ ليستمر التواصل بين القيم الإسلامية والواقع المعاصر؛فمعالجة الأمية الدينية هي الوسيلة العملية لأن يصبح تعدد الزوجات علاجا لمشكلة بدلا أن يكون هو نفسه مشكلة.
باحثة في أصول الفقه