كتب حماده جمعه
اختارت الحكومة، من قطاع الإنتاج الدوائي التابع لها، شركتي: تنمية الصناعات الكيماوية «سِيد للأدوية»، ومصر للمستحضرات الطبية، لضمهما إلى برنامج الطروحات الذي أعلنته مؤخرًا، دون إفصاح عن حصص بعينها للقيد في البورصة أو البيع لمستثمرين أجانب، فيما رجحت مصادر لـ«مدى مصر» البيع لمستثمر استراتيجي أولًا، لتعظيم قيمة الشركتين ماليًا، ثم الطرح في البورصة لاحقًا، وسط تحذيرات من الاستثمارات الإماراتية تحديدًا.
يُسهم القطاع العام في سوق صناعة الأدوية من خلال تسع شركات تُصنّع وتُتاجر في الأدوية والمستلزمات الطبية، تتبع الشركة القابضة للأدوية، التابعة بدورها لوزارة قطاع الأعمال، وبينها «سيد للأدوية» التي تأسست قبل 84 عامًا، و«مصر للمستحضرات» التي تأسست قبل 66 عامًا.
ويحل قطاع الأدوية في المرتبة الرابعة ضمن جدول القطاعات التي يهتم بها رجال الأعمال العرب والخليجيين، بعد البتروكيماويات، والأسمدة على وجه الخصوص، ثم قطاع الخدمات المالية غير المصرفية ثانيًا، والعقارات ثالثًا، بحسب مصطفى الشافعي، رئيس قسم البحوث بإحدى شركات تداول الأوراق المالية، مُضيفًا لـ«مدى مصر»: «الأدوية صناعة منخفضة المرونة بالنسبة لمدى قدرة استغناء المستهلكين عنها حال ارتفاع أسعارها، خاصة المنتجات التي لا بدائل لها، بالضبط مثل أهمية الخبز، وأهمية صناعة الأسمدة للقطاع الزراعي مثلًا، وبدعم من ارتفاع أعداد المستهلكين المحليين لأكثر من 104 ملايين نسمة، ووسط ضعف أداء القطاع الصحي في مصر، فإن الأدوية أحد مجالات الرعاية الصحية الخصبة للاستثمار الأجنبي».
لا يمُكن الجزم بالسبب الرئيسي الذي اختارت الدولة على أساسه هاتين الشركتين تحديدًا من بين الأخرى الحكومية لتضمها إلى برنامج الطروحات، وفق مصدر مُراقب لقطاع الرعاية الصحية بأسواق المال، والذي قال إن الاختيار ربما اعتمد على أولويات الحكومة، أو أن رجال الأعمال الأجانب الذين تتفاوض معهم للبيع هم الذين حددوا مطالبهم مسبقًا بعد دراستهم للفرص الممكنة بين الشركات التابعة للدولة خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة أن مصر لا تملك حاليًا إلا الموافقة على طلباتهم التزامًا منها بتنفيذ تعليمات صندوق النقد، فيما يخص عمليات التخارج من الاقتصاد.
بحسب الشافعي، تسعى الحكومة لزيادة حصيلتها من النقد الأجنبي من خلال برنامج الطروحات، والمرجح أن الدولة ستُفضّل البيع أولًا للمستثمرين الأجانب الذين لديهم إمكانية ضخ مزيد من العملة الصعبة التي تحتاجها الدولة، بالمقارنة مع الطرح في البورصة، الذي سيتم البيع فيه بالجنيه لمستثمرين وأفراد محليين، لكن إمكانية الطرح لاحقًا لا تزال قائمة وستكون بقيمة أعلى لأسعار السهم بعد زيادة رؤوس الأموال، وهذا الأقرب إلى الواقع، على حد قوله.
المصدر المُراقب، الذي طلب عدم ذكر «مدى مصر» اسمه، قال: «نعلم جميعًا مدى صعوبة الوضع واحتياج مصر إلى أي مصدر ممكن للعملة الصعبة، لكن الحكومة عليها الحذر الشديد حال تفضيلها البيع أولًا من ارتفاع سيطرة الاستثمارات الخليجية، والإماراتية تحديدًا، داخل القطاع الصحي المصري، والذي قد يُسهّل لها مُمارسة الاحتكار بصورة تؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمات الصحية أمام سوق استهلاكي كبير لكن مرتفع التكلفة بصورة كبيرة، رغم أنه لا يؤدي خدمة جيدة كفاية».
تتركز أغلب الاستثمارات الإماراتية في القطاع الصحي المصري تحت مظلة شركة أبراج كابيتال، والتي ظهرت أول استثماراتها في 2008 مع استحواذها على 76.9% كحصة حاكمة في «معمل البرج»، أكبر معمل خاص للتحاليل الطبية في منطقة الشرق الأوسط، و«معامل المُختبر- مؤمنة كامل» في 2012، ومستشفيي الكاتب والقاهرة التخصصي، ثم علامة «كليوباترا» المالكة لأكبر مجموعة مستشفيات خاصة في مصر. وفي 2015 أسست مجموعة للرعاية الصحية في مصر وتونس باستثمارات 200 مليون دولار، بالشراكة مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والوكالة الألمانية للاستثمار والتنمية، وبروباركو التابعة للوكالة الفرنسية للتنمية، لكن حصلت لنفسها على حصة حاكمة بأكثر من 70%، ثم اشترت مستشفى النيل بدراوي في العام نفسه.
مصدر ثانٍ يعمل في قطاع صناعة الأدوية، قال لـ«مدى مصر»، إن عدم تشجيع المستثمرين المصريين على التوسع في القطاع الصحي وضعف البيئة رغم الفرص الكبيرة هو الذي يسمح للاستثمارات الأجنبية والخليجية بالدخول مكانها قدر الإمكان مع مرور الوقت، والشاهد على ذلك محاولة مستشفيات كليوباترا الاستحواذ على مستشفيات آلاميدا قبل عامين، لكن جهاز حماية المنافسة المصرية عارض الصفقة بسبب شبهة الاحتكار، مشيرًا إلى أن هذا القرار يجب أن تلتفت إليه الحكومة إذا فضّلت البيع عن الطرح في البورصة، خاصة أن الصحة قطاع استراتيجي هام يجب الحفاظ عليه.
«أبراج» ليست وحدها، إذ استحوذت القابضة ADQ الإماراتية على شركة «آمون للصناعات الدوائية» المصرية من شركة «باوش للصحة»، في صفقة بلغت قيمتها حوالي 740 مليون دولار في أبريل 2021، بالإضافة إلى الاستثمارات السعودية في بعض الشركات المحلية مثل راميد وإيبيكو وفاركوماك.