مصر الآن
نبيل أبوالياسين يكتب : لماذا لاتستهدف العقوبات الدولية المسوؤلين وتتجنب الشعوب!؟
قد تنجح العقوبات في تحقيق تأثيرها الإقتصادي، دون أن تنجح في تغير السلوك المُستهدَف، يجب إستهداف المسؤولين بما في ذلك الأصول، والسفر، والعزلة الدولية، والمحاسبة على إنتهاكات حقوق الإنسان، كما يتم فرض عقوبات على عناصر مثل الأسلحة مع تجنب تلك التي تؤثر على حياة الناس مثل الغذاء، والدواء، والطاقة، والمساعدات الإقتصادية بإختصار نحنُ بحاجة إلى عقوبات ذكية.
مع تزايد إستخدام الدول، والمنظمات الدولية للعقوبات، يبرز جدل دولي حول مدى فعالية العقوبات كأداة للسياسة الخارجية، خاصًة في ضوء بعض النماذج الدولية التي لا تشير إلى نجاحات ملحوظة للعقوبات توازي الإستخدام المكثف لها، وهو ما يطرح أهمية دراسة عوامل نجاح وفشل العقوبات لفهم الآليات التي تتبناها الدول لإحتواء تأثيراتها، والوقوقف على الإجراءات، والنقاط الإساسية، المؤثرة على فرص فعالية العقوبات المفروضة.
تواجه العقوبات الدولية إتهامات بالفشل، والعجز عن تحقيق أهدافها رغم تزايد توظيفها في العلاقات الدولية، ولا يقتصر الأمر على إنتقاد العقوبات الدولية الراهنة وعجزها عن تحقيق الإكراه وتغيير الوضع السياسي، إنما عمدت العديد من الدراسات إلى تحليل مئات العقوبات للوقوف على نسب ضئيلة من مقومات نجاح هذه الآلية، وفي الغالب ينجو المسؤولين من العقاب.
•• كيف ينجو المسؤولين من الهزيمة أمام العقوبات!؟
تم تصميم العقوبات الإقتصادية في الأصل للديمقراطيات حيث يمكن للناس دفع حكوماتهم إلى عكس السياسات، وإن تطبيقها على الأنظمة الإستبدادية يدمر حياة المدنيين الضعفاء ويزيد من القومية الفجة لصالح الحكام، لذا؛ يجب أن يكون الهدف الحكومات، وليس الناس، ولكن للأسف نرى بأن المسؤولين ينجو من الهزيمة أمام العقوبات ويعاني الشعوب بعد ذلك من تلك العقوبات، فضلاً عن مزيداً من السياسات المتكرره، والغير ناضجة التي تؤثر بشكل سلبي على الناس، والمجتمع .
ويزيد من “Nationalism” نظام سياسي،وإجتماعي، وإقتصادي يتميز بتعزيزه مصالح مجموعه معينة، وخاصة بهدف كسب، والحفاظ على الحكم الذاتي، أو بفهم أخر السيادة الكاملة، على وطن الجماعة، وكثيراً ما ينطوي أيضاً على شعور بالفخر بإنجازات الأمة، ما يجعلهُ يرتبط إرتباطاً وثيقاً بمفهوم الوطنية المزيفه.
وتعمل أنظمة الدول المستهدَفة على الإفلات من تأثيرات العقوبات عبر عدد من الآليات التي تحاول من خلالها الإلتفاف عليها، وتحاول إستغلال التحديات التي تعيقها دون النظر لما يعانية شعوبها، والتَشَبُّث فقط بالسيطرة على الحكم ، ومنها:
• آليات الإلتفاف: تعتمد الأنظمة ذات الإنتهاكات في مساعيها للإلتفاف على العقوبات على شبكة من الشركات الوهمية، والوسطاء في الخارج، والتنكر، وإستخدام أسماء جهات أخرى، وإستغلال الثغرات، وفتح حسابات مصرفية مجهولة، أو مزيفة للوصول إلى الأسواق الدولية.
•البدائل التجارية وفُرص العولمة: رغم أن العقوبات الإقتصادية يُنظر إليها كإحدى الأدوات التي تُعزز العولمة والتعاون الدولي من إستخدامها، فإن العولمة تطرح أيضًا فرصًا للدول لإفشال العقوبات.
•السلع ذات الإستخدام المزدوج: في حالات العنف والنزاعات المسلحة، وإنتهاكات حقوق الإنسان يتم فرض عقوبات بمنع تصدير بعض المواد، والسلع التي غالبًا ما تُستخدم في أغراض عسكرية، أو قمعية، والتي تدور في معظم الأحيان حول حظر التسلح، إلا أن المشكلة تكون في السلع ذات الإستخدام المزدوج، أي تلك التي يمكن إستخدامها على الصعيدين العسكري، والمدني.
مثل صادرات النفط، وغيرها من السلع التي تستفيد منها النظم في النزاعات المسلحة والإنتهاكات الحقوقية، كما يستفيد منها المواطنون في الإستخدامات المدنية، ويكمُن التحدي في صعوبة تحديد نوايا أنظمة الدول، وطبيعة إستخدامها للسلع ذات الإستخدام المزدوج ومراقبتها، وتحديد التأثيرات المدنية والإنسانية لحظرها، وهذا ما يستغلة الأنظمة المستبدة، وتنجو من الهزيمة أمام العقوبات بل يتم تسويقها من خلال الإعلام التابع لهم على إنها تدخلاً في الشأن الداخلي ويزيد المستبد إسبداداً على حساب المدنيين الضعفاء .
•نزع المشروعية: تُعتبر المشروعية والعدالة والموضوعية من المبادئ المهم مراعاتها عند تصميم العقوبات، حيث تبرز أهمية الإستناد إلى أساس مبدئي، وقانوني بأن تكون العقوبات رداً على إنتهاكات القانون الدولي، أو القواعد الأخلاقية الدولية.
إلا أن بعض أنظمة الدول تحاول نزع المشروعية عن العقوبات للحد من فعاليتها، سواء بالدفع بمخالفتها للقانون الدولي، أو بالدفع بكونها عقوبات منحازة وغير موضوعية، وإذا كان من اليسير نسبيًا إقرار عقوبات ردًا على عدوان، أو إبادة جماعية، فإن هناك معايير أخلاقية مثل حقوق الإنسان، والحكم الديمقراطي قد لا يكون من السهل تحقيق توافق عليها أو على إنتهاك السلوك السياسي للحكومة المستهدَفة فعلًا لها، خاصة في ظل وجود معايير مختلفة لدى بعض الدول عن المعايير الغربية المعروفة.
وفي هذا الإطار تحاول الدول المعاقَبة وصف العقوبات بأنها تدخلات خارجية لفرض معايير مغايرة، وهناك أيضًا قاعدة «الإتساق» بمعنى أن يتم التعامل مع القضايا المماثلة على حد سواء وبعدالة، وتثور هنا أهمية إضطلاع المنظمات الدولية بفرض العقوبات لمنحها الشرعية الدولية وتعزيز موضوعيتها وعدالتها قدر الإمكان.
•• كيف تنجح العقوبات
الدولية!؟
مع معالجة التحديات والآليات سالفة الذكر التي تستخدمها أنظمة الدول المستبدة ، التي تنتهك حقوق الإنسان ، والقانون الدولي، لإفشال العقوبات، فإن هناك عددًا من الإجراءات والنقاط المهمه التي يجب مراعاتها عند فرض العقوبات من أجل تعظيم فعاليتها، ومنها:
• تصميم الأهداف: من المهم مراعاة أن تكون أهداف العقوبات ضيقة، ومحددة بوضوح، حيث تزداد فرص نجاح العقوبات عند ربطها بأهداف محددة، وقابلة للتحقق، ليس منها تغيير النظام بأكملة الذي يُعد هدفًا واسعًا للغاية يَصعُب بلورته وغير واقعي، فعادةً لا يُتوقع نجاح العقوبات التي تهدف إلى تغيير النظام، لأنها لا تترك حلولًا وسيطة للحكومات التي لن تقبل بطبيعة الحال بالإنتحار السياسي، وترك الحكم.
• إستراتيجية شاملة: تتعلق هذا النقطة بشمولية الإجراءات العقابية من جهة، وبأن تكون تلك الإجراءات جزءًا من إستراتيجية دبلوماسية، وسياسية شاملة من جهة أخرى، ولكي تحقق العقوبات أهادفها ينبغي مراعاة أن تكون عقوبات شاملة، وأن تراعي مبدأ “شمولية الضرر”، بحيث تُلحق ضررًا شديدًا لا يقتصر على قطاع واحد من قطاعات الإقتصاد المستهدف، ناهيك عن إستهداف المسئولين، أو الوكالات الحكومية الفردية، فيجب على صانعي السياسات تجنب تصميم عقوبات ضيقة من أجل زيادة فرص فعاليتها.
كما يجب على صانعي السياسات من جهة أخرى تجنب إستراتيجيات السياسة الخارجية الضيقة التي تعتمد على العقوبات فقط دون التفكير في الخيارات، والأدوات الأخرى.
• مرونة العقوبات: يجب أن يعتقد الهدف أن العقوبات ستزداد، أو تُخفض بناءً على سلوكه، إذ يرتبط نجاح العقوبات بقدرة الطرف المعاقِب على إقناع الطرف المعاقَب بأنها عقوبات موضوعية ترتبط بإشكاليات محددة، وإتاحة فرص مفتوحة دائمًا لتخفيف العقوبات، وهو ما يتحقق بمرونة العقوبات. وتطرح حالة ميانمار نموذجًا للعقوبات المرنة، حيث استجابت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2012 للإصلاحات السياسية في ميانمار بتبيان إيجابيات تعديل السلوك بإزالتها للعديد من العقوبات.
وتخفيف بعض القيود المالية والإستثمارية مع خطوات الإصلاح، والتحول الديمقراطي في ميانمار، وصولًا إلى رفع العقوبات بشكل كامل عام 2016، بعد إجراء أول إنتخابات تنافسية حرة منذ ربع قرن عام 2015، وإنتصار الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية”المعارضة”، وهزيمة الحزب الحاكم.
• ديمقراطية النظام: تعمل العقوبات على إثارة السخط بين عامة الناس نتيجة تضررهم من العقوبات، وتفترض أنهم سيحشدون إستيائهم ضد الحكومة التي بدورها ستستجيب، أو ترحل عن الحكم .
• العقوبات متعددة الأطراف، وموقف الأطراف الأخرى: ترتبط فرص نجاح العقوبات المفروضة بعدد الدول التي تفرضها. وتلتزم بتنفيذها، إذ تعتبر أكثر العقوبات فعالية هي تلك التي تفرضها دول متعددة، فقد أدت المقاطعة العالمية لجنوب إفريقيا بسبب سياسة الفصل العنصري في الثمانينيات إلى إنتخابات أوصلت الأغلبية السوداء إلى السلطة، وكذا؛ ودفعت إيران، وقادتها إلى العودة إلى المحادثات والوصول إلى الإتفاق النووي عام 2015.
• السمعة الدولية: تسعى العقوبات إلى دفع أنظمة الدول نحو تغيير سلوكها من خلال تشويه سمعتها، ووصم الأنظمة بإرتكاب إنتهاكات تخالف القيم السياسية والحقوقية، وإتهامها بإنتهاك المعايير السلوكية المقبولة عالميًا ضد شعوبها إلا أن ذلك يرتبط بمدى إهتمام بنظام الدولة بسمعتها الدولية والرأي العام العالمي، فمن غير المجدي معاقبة أنظمة منبوذة لا تتأثر بالرأي العام الدولي، مثل النظام الكوري الشمالي، والأنظمة الإستبدادية بشكل عام التي تلجأ من أجل مواجهة العقوبات إلى التحالف مع أنظمة مماثلة.
وختاماً: أنه من المهم عند تطبيق عقوبات من قبل الحكومات أو المنظمات الدولية هو بذل أقصى الجهد لتجنب تأثيرها المدمر على الشعوب التي لاناقة لها ولاجمل في الخلافات السياسية، ويجب أن نتعلم من الدروس الأليمة في العراق، والسودان، وكوريا الشمالية وغيرها.