الإيكولوجيا الصناعية

د/ رشا عبد العزيز

 إن أحد أهم دلالات الإيكولوجيا الصناعية هو أنها تشبه المنظومة البيولوجية (الحيوية)، والتي تقوم برفض مفهوم النفاية، والنفاية تعادل الغذاء.

وعليه، فإن كل شيء يُسترد ويُعاد استخدامه وتدويره.
والاقتصاد القوي هو الاقتصاد الذي يقترب من الآتي: نحتاج لتصور ثقافة تجارية ناجحة ومصممة بذكاء وتقلد (تحاكي) الطبيعة في كل خطوة، وبما يؤدي إلى تكافل (symbiosis: تعايش متعضيات غير متشابهة) الشركة والمستهلك والإيكولوجيا.
تُعتبر الإيكولوجيا الصناعية Industrial Ecology بمثابة بنية مطورة للتقصي عن أثر الصناعة وعملياتها على البيئة البيوفيزيائية. تقوم الإيكولوجيا الصناعية بالنظر إلى المنظومة الصناعية كوحدة متكاملة، فهي لا تتناول فقط مسائل التلوث والبيئة وإنما تربط، وبالأهمية ذاتها، التكنولوجيا والعمليات والاقتصاد والأعمال المتداخلة.
تستطيع الإيكولوجيا الصناعية إيجاد بنية مفاهيمية وكذلك الأدوات الهامة للتنمية الاقتصادية المخططة. إنها تدمج الإيكولوجيا بالتكنولوجيا، وتجعل المنظومات الصناعية في توافقية مع محيطها المجاور كممارسة بديلة عن الانعزال والانغلاق. فيما يتعلق بتكامل المسائل البيئية مع ممارسات الإنتاج والاستهلاك، فإن الإيكولوجيا الصناعية تغلق، وبإتقان، دورة حياة المادة والطاقة آخذةً بعين الاعتبار الأنشطة الصناعية وعلاقتها بالاستهلاك. فبالإضافة إلى دراسة التأثيرات على البيئة، فإنها تتقصى تأثيرات العوامل الاقتصادية والسياسية والتنظيمية والاجتماعية على حركة المادة والطاقة. وبصورة أوضح، تمنح الإيكولوجيا الصناعية خيارات حقيقية لنمذجة استخدام موارد محدودة مع المحافظة على البيئة في الآن معاً. يمكن أن يُعزى التناقض في مصطلحات الإيكولوجيا الصناعية إلى تصورنا الأولي بأن البيئة الحيوية هي مصدر غير محدود للتلوث الصناعي عبر التركيز على حل المشاكل البيئية من خلال مقاربة تفاعلية تمس مفهوم المعالجة في نهاية الخط Treatment in the end of pipe كعملية تعالج المشاكل البيئية بعد ظهورها عوضاً عن التقصي عن السبب الأساسي الذي يخلق المقاربة الوقائية. تتضمن الإيكولوجيا الصناعية ما يلي:

تقليص استهلاك المادة والطاقة Dematerialization اللازمة لإنتاج منتج وتقديم خدمة مؤدياً إلى التقليل من الأثر البيئي السلبي. ويتضمن ذلك إنقاص استهلاك المواد الخام في مرحلة الإنتاج، وكذلك الطاقة والمواد في مرحلة الاستخدام، والنفايات في مرحلة التخلص المأمون. ويُراد من مفهوم الـ Dematerialization فك الاقتران بين النمو الاقتصادي ومعدل استهلاك الموارد.

تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون De-carbonization كدلالة على رصد تطبيق مفهوم الـ Dematerialization على اعتبار أن تقليص الانبعاثات مرتبط مباشرةً بتقليص استخدام الموارد في العمليات الصناعية.

تقييم دورة الحياة Life Cycle Assessment لتقييم العملية ككل ورصد من أين تأتي المواد وإلى أين ستذهب (من المهد إلى اللحد).

التصميم من أجل البيئة Design for Environment كإستراتيجية تصميمية يمكن استخدامها في تصميم المنتجات المترافقة مع تقليص أعباء الأثر البيئي.

التكافل الصناعي Industrial Symbiosis، وهو شكل من التعاون الإيكولوجي – الصناعي بين الصناعات التقليدية. وكما هي عليه الحال في علاقات التعاضد البيولوجي في الطبيعة، فإن مساهمين طوعيين، على الأقل، يتبادلان المواد والطاقة أو المعلومات في نمط من النفع المشترك.

المنتزهات الصناعية الإيكولوجية Eco-Industrial Parks، وهي على أشكال معقدة من التكافل الصناعي. وتعرف على أنها تجمعات صناعية وأعمال خدمية تلتمس تحسين الأداء البيئي والاقتصادي عبر التعاون في مسائل الإدارة البيئية وإدارة الموارد.

الاقتصاد الدائري Circular Economy، ويُسمى بالاقتصاد المغلق للمواد أو باقتصاد دورة الحياة، وهو مفهوم يؤيد الفكرة القائلة بأن الاقتصاد يجب أن يُبنى على أساس تدوير المواد. ووفقاً للاقتصاد الدائري، فإن نموذج التنمية التقليدي القائم على الدفوق الخطية: موارد – منتجات – نفايات، يجب أن يُستبدل بدفوق دائرية.

تسعى الإيكولوجيا الصناعية إلى تحسين الأداء البيئي الصناعي والتخطيط الاستراتيجي. إنها بمثابة دورة بحلقة مغلقة عبر إعادة تقييم العمليات الصناعية بإلغاء النفايات Wastes وتحويلها إلى منتجات ثانوية By Products. وبهذه الطريقة، تسهّل الإيكولوجيا الصناعية تنمية المجتمعات وتحافظ على القاعدة الصناعية والبنية التحتية من دون التضحية بجودة البيئة.

شاهد أيضاً

الأزمة في تونس: كيف وصلت البلاد إلى هذه المرحلة؟

تحقيق/حماده جمعه في عام 2011 انطلقت شرارة ربيع الثورات العربية من تونس، وما لبثت أن …