مصر الآن

الدكتورة أماني محمود عبد الصمدتكتب: لا إسلام لمن لا أخلاق له

إن التمييز بين الخير والشر ركيزة في النفس البشرية، والعقل والوحي يمثلان ضوًا هاديا للأخلاق الحسنة، والأخلاق لغة جمع خُلُق، وهو اسم لسجية الإنسان وطبعه،وهي صورة ظاهرة ووصف يعكس صورة الإنسان الباطنة، وقد عرفها الجرجانيفي كتابه التعريفات بأنها: ( هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا).
ولقد اهتم الإسلام بالأخلاق اهتماما عظيما؛ فالقرآن الكريم والسنة النبوية يستنبط منهما أحكام يجب على الإنسان أن يتبعها لكي يكون مسلما، وهذه الأحكام تتنوع بين أحكام في العقيدة، وأحكام في الأخلاق، وأحكام في العبادات والمعاملات المالية وغيرها من أفعال المكلفين، وبهذا فالأخلاق تمثل دعامة أساسية من دعائم الإسلام، فكما لايصح إسلام أحد دون عقيدة، ولا يصح إسلام أحد دون اتباع للأحكام الفقهية المتعلقة بعبادته ومعاملاته المالية…، فلا يصح إسلام أحد دون اتباع لأحكام الأخلاق في الإسلام، فالإسلام دائرة يتكون محيطها من اتباع تلك الأحكام، ويجب على المسلم إكمال ذلك المحيط وإلا خرج من دائرة الإسلام.
والأخلاق الإسلامية هي قوام شخصية الإنسان المسلم والميزان الذي يزن به إيمانه وقربه من الله، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّاللهَلَايَنْظُرُإِلَىأَجْسَادِكُمْ،وَلَاإِلَىصُوَرِكُمْ،وَلَكِنْيَنْظُرُإِلَىقُلُوبِكُمْ»وَأَشَارَبِأَصَابِعِهِإِلَىصَدْرِهِ.
وأعجب كل العجب ممن يدعي الإسلام ويحكم لنفسه بذروة الإيمان، فيرى أن الإسلام: فهم صحيح في العقيدة وفي كيفية الصلاة والصيام وقيام في الليل فقط، والتزم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا كالسواك والجلباب واللحية والنقاب … وغير ذلك، وترك سنته صلى الله عليه وسلم في الأخلاق، وشدد على نفسه وغالى في ذلك لدرجة أنه أعطى الحق في الحكم على إسلام غيره وهو لا علما حقيقيا له بالإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يمتثل لأوامر الله في كل شأنه قولاً وعملاً، وكان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، وكان يقول: «إِنَّمَابُعِثْتُلِأُتَمِّمَصَالِحَالْأَخْلَاقِ».
والآيات القرآنية التي تدعو إلى امتثال أمر الله سبحانه في الأخلاق، إما إيجابا، أو نهيا، أو إرشاداًكثيرة، وقد حصرها الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه جواهر القرآن 741 آية من القرآن، وتعددت الأحاديث النبوية أيضا في الأخلاق، ومن ذلك: حين سئلت عائشة رضي الله عنها:مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»، وعن أبي ذر رضي الله عنهأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ».
وفي اتباع حسن الخلق سعادة الدنيا والآخرة، وفي سوء الخلق خسران في الدنيا والآخرة، فالأخلاق هي الأساس لبناء المجتمعات الإنسانية إسلامية كانت أو غير إسلامية، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، وليس ما تعانيه الأمم والحضارات من انحدار كامناً في الضعف الماديأو العلمي، وإنما في الضعف الأخلاقي، فصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين يقول:
إِنَّما الأُمَمُ الأَخلاقُ ما بَقِيَت … فَإِن هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُم ذَهَبُوا
وحسن الخلقسبب لمحبة الله تعالى ورسوله:قال الله تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195]، وقال أيضا: وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146]، وعن أسامة بن شَرِيك رضي الله عنه أن أناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: فَمَنْ أَحَبُّ عِبَادَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا».
وهو أيضامن أعظم أسباب دخول الجنة؛ فلما سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ قَالَ «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ».
وحسن الخلق أثقل شيء في الميزانوعبادة يبلغ بها العبد درجات الصائم القائم، فيا ليت قومي يعلمون.

باحثة في أصول الفقه الإسلامي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى