في ظل التوجه إلى استخدام المركبات الكهربائية واعتماد المعايير البيئية مستقبل الاستثمار في النفط عالمياً

بقلم روبرت مينتر، محلل استراتيجي للاستثمار، أبردين ستاندرد إنفستمنتس  ASI.

 

 

 

تتسابق البلدان في جميع أنحاء العالم لإعلان خطط صارمة لمواجهة تغير المناخ، وقد أدى التركيز الكبير على هذه القضية وارتباطها الوثيق والمباشر بالطاقة إلى إثارة الاهتمام بالاستثمارات الكبيرة الموجهة للمركبات الكهربائية (EVs) والتي يعول عليها أن تلعب دورا حاسما في خفض التلوث، وتقليل الاعتماد على النفطـ، وبالتالي حماية البيئة والحد من أزمة تغير المناخ.

ويشير روبرت مينتر، المحلل الاستراتيجي للاستثمار، في شركة أبردين ستاندرد إنفستمنتس العالمية إلى أن الإحصائيات  والمعلومات المتعارف عليها لدى الجميع تبرز أن الحاجة الرئيسية للنفط مصدرها سياراتنا، حيث تساهم سيارات الركاب بقرابة 25٪ من الطلب العالمي على النفط – أو ما يعادل 25 مليون برميل في اليوم.

لذا تلعب المركبات الكهربائية لها دورا حيوياً مؤثراً في الحد من هذا الاعتماد على النفط، ولكن، ربما يستغرق الأمر عقودا للتخلص التدريجي من الأسطول العالمي للمركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي (ICE) الموجود بالفعل، إذ يوجد حاليا أكثر من 1.4 مليار سيارة ICE حول العالم، ويضاف إل هذا العدد حوالي 100 مليون مركبة جديدة يتم شراؤها كل عام[1].

ويعول العديد من المحللين على الحكومات لتتخذ خطوات رئيسية لتحفيز الناس على التوجه صوب المركبات الكهربائية، وقد سعت عدد من الدول منذ فترة طويلة إلى القيام بذلك، ففي عام 2009، أدارت إدارة الرئيس باراك أوباما برنامج “المال مقابل المركبات القديمة”، والذي قدم ما بين 3500 دولار و4500 دولار للتداول في مركبة قديمة أقل كفاءة في استهلاك الوقود لمركبة جديدة ذات كفاءة أعلى. وقوبل هذا البرنامج بالترحاب الشديد لدرجة أن تمويله تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار. ويمكن أن تساعد الإجراءات المحفزة المماثلة على تسريع الانتقال إلى المركبات الكهربائية، والحقيقة توصف خطط الحوافز الحالية بأنها مختلطة ومرتبكة، حيث تقدم ألمانيا مثلا 9000 يورو، والحكومة الأمريكية 7500 لأول 200 ألف طراز تم استبدالها بمركبات كهربائية، بينما خفضت الصين مؤخرًا الحوافز المشجعة على اقناء هذه المركبات. وتتبدى الحاجة إلى المزيد من الاجراءات لتحفيز الاتجاه للمركبات الكهربائية على نطاق واسع، سيما مع ارتفاع أسعار هذه المركبات، مقارنة بمثيلاتها المعتمدة على النفط.

وعلى الرغم من الآمال الكبرى المعلقة على المركبات الكهربائية، إلا أن قدرتها على التأثير على الطلب على النفط على المدى القصير ستبقى محدودة. ووفقًا لدراسة مسحية أجرتها جامعة كولومبيا في عام 2019 حول التوقعات المرتبطة بالمركبات الكهربائية المتاحة، خلصت إلى أن الغالبية العظمى من التحليلات ترى أن المركبات الكهربائية ستؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط بأقل من 5 ملايين برميل يوميًا بحلول عام2040 [2]. لذلك في حين أن المركبات الكهربائية مهمة، فإنها لن تنهي تماما اعتمادنا على النفط في المدى القريب، هذا فضلا على أن لها أيضًا تكاليف وتبعات بيئية خاصة بها، سواء في توليد الكهرباء أو في الجهد التعديني الموسع المطلوب لصناعتها.

وبتنحية المركبات عن الصورة، يؤدي النفط في حياتنا أدورا كثيرة إذ تمثل البتروكيماويات – وهي أساس البلاستيك والعديد من المواد الأخرى – والتي تحتاج 12 مليون برميل في اليوم ركيزة مهمة في معاملاتنا، وكذلك الطيران والشحن الذي يتطلب 12 مليون برميل أخرى. ويستخدم النقل بالشاحنات 17 مليون برميل في اليوم، وتصل احتياجاتنا اليومية من الطاقة إلى 5 ملايين برميل وتستهلك المباني والانشاءات 8 ملايين برميل. وفي الوقت نفسه؛ تحتاج الاستخدامات الصناعية 6 ملايين برميل يوميًا، ويمثل مزيج الاستخدامات الأصغر الأخرى 17 مليونًا أخرى[3].

لذلك؛ لكي ينخفض ​​الطلب على النفط إلى الصفر، سنحتاج إلى تخليص الأرض ليس فقط من جميع مركبات ICE، ولكن أيضًا من الشاحنات والسفن والطائرات والعديد من التطبيقات الصناعية والبتروكيماوية التي نعتمد عليها وتمثل قطاعات حيوية من حياتنا. وهو ما يعني بدوره أننا لن نتمكن من التوقف عن استخدام النفط تمامًا خلال الأربعين عامًا القادمة. لكن لا ينبغي أن يمنعنا ذلك من اتخاذ خطوات لتقليل استخدام النفط حيثما أمكن ذلك. وعلينا أيضًا أن نفكر مليًا في قرارات الاستثمار التي نتخذها فيما يتعلق بالطاقة.

لذا يعد تخصيص رأس المال لمصادر الطاقة المتجددة على حساب النفط والغاز موضوعا حساسا وطويل الأجل ومرتبطا بالأهداف المناخية المهمة. وتلقى هذا الموضوع دفعة قوية بسبب ضعف أداء مخزونات الطاقة على مدى السنوات الأخيرة. والسؤال الحاسم الآن هو: هل أصبح استثمار الشركات في الطاقة التقليدية أقل ربحية لأن مصادر الطاقة المتجددة صارت تقلل من الطلب على النفط والغاز؟

الإجابة المباشرة هي لا، فبين عامي 2011 و2019، نما الطلب العالمي على النفط بمعدل ثابت من 1 إلى 1.5٪. لذلك يجب أن نبحث في مكان آخر عن سبب ضعف أداء عوائد هذا القطاع. وربما تكمن الإجابة في دورة رأس المال التي تشهد طفرة وكسادًا على نحو متكرر ومنتظم، وهي ذات الدورة التي قادت عملية إمدادات النفط منذ عام 1859، عندما تم بيع أول برميل من النفط.

وفي عام 2008؛ عندما كان النفط يُباع بسعر 120 دولارًا للبرميل وكانت أسعار الفائدة تتراجع، تم تخصيص رأس المال لاختراق تكنولوجي جديد هو التكسير الصخري في الولايات المتحدة لاستخراج النفط الصخري. ولكن -وكما هو الحال مع العديد من الطفرات الاستثمارية – تم تخصيص الكثير من الأموال لهذا النمط من النفط، رغم ما يحيط بعملية الاستخراج من مخاوف قد تؤثر سلبا على هذه الاستثمارات، ليكون ذلك إيذانا بانتهاء الطفرة.

ومؤخرا؛ ركز منتجو النفط على توليد التدفق النقدي الحر والأرباح بدلاً من نمو الإنتاج بأي ثمن، ومن أسف مثل هذا التعامل مع رأس المال بالإضافة إلى معنويات المستثمرين المنخفضة ورؤاهم السلبية يمثلون قاع دورة الاستثمار، وليس قمتها.

ولم تزل الكثير من إمدادات النفط غير متصلة بالإنترنت في أوبك وروسيا، نتيجة لنقص الطلب الحالي الناجم عن الجائحة، إلا أنه حتى وقبل الأزمة الحالية، ومنذ أكثر من عامين انخفض الاستثمار في المشروعات الرأسمالية الجديدة في صناعة النفط. ويتوقع أنه بمجرد أن يتم قطع إمدادات النفط بشكل كبير، سيبدأ المنتجون الذين يمكنهم الخروج من هذه الأزمة في زيادة العائدات.

كما تقع الاهتمامات البيئية في صلب تفكيرنا الاستثماري، المعتمد على التحليل المدروس لمسار انتقال الطاقة. وكجزء من هذا التحليل؛ يجب أن نفصل دورة الاستثمار “العادية” للازدهار / الانهيار عن الاتجاهات طويلة المدى وانعكاسات انتقال الطاقة. وقد تكون المركبات الكهربائية الفصل الأخير في صناعة النفط، لكنها بالقطع ليست القصة الكاملة، إذ ستبقى صناعة النفط جزءًا حيويًا وضروريًا من الاقتصاد العالمي لعدة عقود قادمة.

شاهد أيضاً

الأزمة في تونس: كيف وصلت البلاد إلى هذه المرحلة؟

تحقيق/حماده جمعه في عام 2011 انطلقت شرارة ربيع الثورات العربية من تونس، وما لبثت أن …