محمد جمال -يكتب- سيرة يعقوب بن كلس وزير الدولة الفاطمية

عادةً ما يُلقى المؤرخون فى كتب التاريخ أو المؤلفون فى الأعمال التاريخية الدرامية الضوء على السير الذاتية للزعماء المشاهير أصحاب الدور الفعال فى المجتمع أو الحُكَّام الذين يمتلكون السلطة والنفوذ والأمر والنهى على أهالى البلاد الخاضعة لهم ، ولكن لم يهتم هؤلاء المسئولون عن هذه المهمة وأقصد مهمة تدوين التاريخ أو تأليفه فى سياق درامى بالتركيز على الأمراء والوزراء والحاشية الذين تمتعوا بقسط وافر من المكانة والسلطة و النفوذ لقربهم من الحاكم وذكر دورهم فى الدولة

ويعد يعقوب بن يوسف بن كلس – وهو أول الوزراء الفاطميين – من الوزراء الذين تولوا المناصب الادارية فى عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى حتى أصبح وزيرًا فى عهد هذا الخليفة وابنه العزيز ، واننى الآن سوف أتحدث عن أصله – باختصار شديد – ودوره السياسى والثقافى فى عصر الدولة الفاطمية فى مستهل مجدها

لو ابتدينا فى الحديث عن أصله فنرى أنه كان يهوديًا نُشِأ فى بغداد ، وصل مصر ودخل فى خدمة كافور الاخشيدى – وهو حاكم الدولة الاخشيدية فى مصر آنذاك – وأسلم على يديه فى شعبان سنة 356 هـ ، و أثناء اقامته بمصر أصبح لديه علم بشئون مصر المالية والاقتصادية

وبعد دخول الفاطميين مصر كلفه المعز لدين الله الفاطمى بمهمة الخراج وسائر وجوه الاموال والحسبة سنة 363 هـ وذلك يرجع الى خبرة يعقوب والمامه بالشئون المصرية الاقتصادية – كما ذكرت – ، وبعد وصول المعز للخلافة أراد ان يجعل يعقوب وزيرًا فى اول محرم سنة 367 هـ ولقبه بالوزير الأجل فى رمضان سنة 368 هـ ، وكان هذا الوزير يجلس للمظالم يوميًا بعد صلاة الصبح فيدخل عليه الناس ويملون عليه مظالمهم وشكاويهم

واتخذ فى قصره عده دواوين اختص بعضها ما يتعلق بشئون الجيش والمالية والسجلات وجباية الخراج ، كما عين على هذه الدواوين الموظفين

أما بالنسبة لدوره الثقافى فنرى أنه كان يعمل جاهدًا لنشر المذهب الاسماعيلى والفقه الشيعى ، فألف كتابًا فى هذا الفقه نقله عن الخليفة المعز لدين الله وابنه العزيز ، أُطلق عليه الرسالة الوزيرية نسبة اليه ، وكان يعقوب يقرأ هذا الكتاب فى الجامع الازهر ويتلوه على الطلبة وعلى المهتمين بحضور درسه من الفقهاء والقُضاة والادباء ، كما كان لهذا الوزير مؤلفات أخرى فى علم القراءات وعلم الأبدان

ويعتبر يعقوب بن كلس هو صاحب فكرة تحويل الجامع الازهر الى جامعة معهدًا للدراسة حيث أشار الى العزيز الفاطمى بتزويد الجامع بالفقهاء والعلماء فتحمس العزيز لهذه الفكرة ورتب لهؤلاء الارزاق الشهرية وخصص لهم دارًا بجانب الازهر للاقامة فيه

كذلك كان هذا الوزير شاعرًا ماهرًا وأديبًا بارعًا ، فكان يقيم كل ثلاثاء فى داره الخاص مجلسًا يحضره الفقهاء والمتكلمين وأهل الجدل يتناقشون ويتنافسون بين يديه ، فضلا عن وجود الكُتًّاب الذين ينسخون القرآن الكريم وكتب الفقه والطب والأدب بداره الخاص فاذا انتهوا من نسخ هؤلاء الكتب قُبلت وضُبطت ، كما كان يمتلك مكتبة غاية فى الفخامة ضُمت الى مكتبة القصر الفاطمى بعد وفاته وذلك يدل على شغفه وحبه بتأليف الكتب

ذلك الدور الثقافى الذى قام به هذا الوزير فان دل على شئ فانه يدل على مدى اهتمام الفاطميين بالعلم والحياة الثقافية وتقريب الفقهاء والعلماء والادباء لهم ، ويعد هذا الاهتمام من جانب الفاطميين مرتبطًا بصراعهم المستمر مع الدولة العباسية السُنية المذهب حيث أدرك الفاطميون انه لا يتم الانتصار على الدولة العباسية الا بازدهار الحياة الثقافية والعلمية المتمثلة فى نشر مذهبهم الشيعى وخلق الوسائل التى تتيح ذلك لارساء دعائمه من خلال انشاء المدارس والمكتبات والجوامع مثل الجامع الازهر الذى يعد مركزا لنشر المذهب الشيعى وتعاليمه طوال العصر الفاطمى

وبعد وفاة يعقوب بن كلس تدهورت مكانة الوزارة وتحولت الى ما يسمى بالوساطة فولى العزيز شخص يُدعى عيسى بن نسطورس بدلا منه حتى تولى الحاكم بأمر الله الفاطمى الذى ولى الحسن بن عمار الوساطة وتلقب بأمين الدولة.

شاهد أيضاً

جلسة تصوير “رومانسية لريهام أيمن وشريف رمزي من المصور إسلام سليمان

سامح علي خضع الفنان شريف رمزي وزوجته الفنانة ريهام أيمن لجلسة تصوير مع المصور إسلام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *