عز الدين الامير…فنان تجاوز المحن برياش الكلمة الملتزمة

السويداء- بقلم الاعلامي معين حمد العماطوري
تعتبر الأغنية الملتزمة نوعاً من الأغاني الشعبية الدارجة التي حاول الفنان عز الدين الأمير تحويلها إلى أغنية المقاومة، من خلال التزامه بالكلمة، متكأ على قالب التأليف للأغنية، وربما أعمال الأمير تدخل في باب هام بقول الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب: “كلما كانت الأغنية منهارة في معناها وموسيقاها، أصبحت نوعاً من التخريب الاجتماعي”…ربما السؤال الذي يحمل اسئلة متعددة؟
من خلال الحديث عن الفنان عز الدين الأمير في سياق الغناء والالتزام يقودنا إلى البحث في أفكار ورؤى ارتباطية بين الانتماء الجغرافي والإنساني والعلاقة الوشائجية بينهما، إضافة للمدرسة الفنية الملتزمة، إذ قل ما خط نهج الالتزام بالكلمة والأغنية سوى أمثال إمام درويش مع الشاعر أحمد فؤاد نجم في مصر، وأيضاً الفنان مارسيل خليفة، والفنان سميح شقير، وقبل الأزمة التي ألمت بالبلاد كان صوت عز الدين الأمير يصدح بالمسارح بتعابير الشعرية والصور الإنسانية ملتزمة بالخط الذي سلكه بنفسه، فهل ينطبق عليه ما قاله الموسيقار عبد الوهاب.
إذا ما أردنا اطلاق حكم قيمة على الأعمال الفنية من الناحية الموسيقية أرى أن الفنان الأمير مزج بين مهنتين الأولى إنسانية وهي العلاقة الوظيفية اليومية في حياته وكيف يرى ويساهم في تخفيف آلام الناس من خلال عمله في التمريض، وأيضاً بالموسيقا بحيث أراد أن يختلج فضاء الإنسانية بفضاء الإبداع الإنساني نابع من البيئة، مستخدماً في تلحينه آلات التخت الشرقي، وبعدد آلات محدودة لكنه قادر على تصوير دلالات الكلمة الشعرية المتماهية مع المجتمع وهمومه ومعاناته نافخاً عبير حرية الذات المتمردة فنياً والتعبير الوصفي الاختياري في التصنيف الفني، لكنه يقع في مطب عدم التفريق بين تلحين القصيدة وفق قالب التأليف الفني لها وبين الاغنية الشعبية الدارجة، قالب القصيدة مؤلف من مقدمة موسيقية تدل على معنى القصيدة وهي التي ارسى دعائمها منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الشيخ أبو العلا محمد وجسدها الموسيقار الكبير رياض السنباطي ومن خطى على طريقه، ووضع ألحان متباينة بين الاغصان تختلف في طبيعة اللحن والمقام، لكن عز الدين الامير وضع مبرراً له أنه في زمن الصورة الخاطفة التي تحتاج إلى مقدمة سريعة للدخول في المغنى والقصيدة لا تتحمل ذلك بل تخضع للأغنية الشعبية..
ربما القيمة المضافة في تعاونه مع شعراء لهم المكانة في الساحة الثقافية والإبداعية، وبتنمية الحركة الشعرية في سورية والوطن بصورهم ودلالاتهم المميزة منهم: الدكتور نزار بريك هنيدي، الدكتور راتب سكر، الدكتور غسان غنيم، فرحان الخطيب، جهاد الاحمدية، ابراهيم سعدة من مصر، رضا ابو الغيط من مصر، سليمان السلمان، كمال السعدي، صالح الحلبي، لطفي عبد الرزاق، قفطان الشوفي، نضال كيوان”، والتي كل قصيدة من قصائدهم تحتاج إلى وقفة نقدية خاصة ولكن الزمن وصليبه الحاكم لنا يجعلنا نتحدث عن التجربة الغنية والمسيرة الفنية الهامة في المرحلة الراهنة…
تمتاز جمل عز الدين الأمير الموسيقية بالبساطة وعدم التكلف إذ يصر على استخدام آلات شرقية ويتخذ من عوده قائداً لفرقته، على الرغم انه ليس عازفاً بالمعنى الاحترافي في التقاسيم الموزونة والحرة، والتي قال عنها الموسيقار السنباطي” من لم يستطع العزف على آلة العود ولا يساعده خياله الموسيقي على الارتجال أي التقاسيم لا يمكن أن يصبح ملحناً” لكن الفنان الأمير لديه من التخييل والحس بالمعنى الكلمة ما يجعله يتسم بالنهج وليس التعبير على أنه فنان يحمل الحس والاحساس بالكلمة، بحيث يقرأ الكلمة ويتماهى معها ويدخل في اساريرها ويخرج لحنها مع نطقه بها مجسداً قول الموسيقار محمد عبد الوهاب ” حينما تقرا النص بمخارج حروفه يخرج اللحن معه”…
لديه من الجمل الموسيقية المطالبة بالتطريب والتوضيح بالعرب الصوتية والإيقاع، لكنه يفضل التعبير عنها بالإحساس بالمعنى الجمالي للكلمة من خلال الأداء على حساب التلحين، ولو وضعنا بعض الأمثلة لنجد في أغنيته “دنيا وناس” كلمات ابراهيم سعدة، يعتمد على المحاورة بينه وبين الكورال، أما في قصيدة “لا تقل يا ابي” للشاعر الدكتور راتب سكر استخدم الاستعراض الكلامي وليس الصوتي بها، وحينما وصل الى كلمة / ولم يزل رباب يحن/ عبرت عن الرباب الناي على مقام الصبا في مقطع اختلف فيه المقطع الثاني بنوع الإيقاع والمقام، اما القفلة التي من مدارسها ان يشارك الجمهور بها فكانت ارتجالية لديه، وكذلك في اغنية “يا أمي الروح” للشاعر صالح الحلبي كان للتوزيع الموسيقي رؤية خاصة به، مع استهلالية الفرقة ليصل إلى /يا أمي ان جيت لا تبكي علي/ هنا كانت التصعيد في التعبير بإحساس يتعاطف معه كل مستمع إليه، هذه الامثلة دلالة على انه يتكا على الكلمة الملتزمة في التعبير عن بركانه وطاقته الفنية وليس على التلحين، طبعا بعض الامثلة ولو اردنا دراسة اعماله لا يتسع الوقت لذلك…
لعل التنوع الذي انتهجه باختيار الكلمة بين الشعبي والفصيح والمحكي جعله يلتزم بما أراد من أن يوصل رسالته للآخرين…لكن عز الدين الأمير ذو شخصية ذاتية امتشق فيها سيف انتمائه الشعبي وفلكلوره المتنوع وخاصة من الجنوب السوري، بحيث نهل من الفلكلور ووظف بعض أعماله الفنية فيه، وبطريقة فنية وصبر على نفسه طويلاً وعلى الحياة أكثر، ثم انطلق بخطه واسلوبه في فضاء الابداع حتى بات يشكل مدرسة في الخط الملتزم بالكلمة التعبيرية، بحيث أراد أن يدخل على قالب القصيدة الشعرية المغناة نهجه في إيصال ما يصبو إليه من الارتقاء بالجملة الفنية المستريحة لديه والمعمقة بالمعاني الكلمة نحو الأداء المليء بإحساس مؤدٍ ملتزم بنوع الأغنية الشعبية الدارجة متمرد على قوالب الالتزام في طريقة التلحين.
أخيراً الفنان عز الدين الأمير صاحب التجربة الفنية الغنية والتي يزيد عمرها عن ثلاثة عقود .. تجربة هامة لدراستها ودراسة الاسلوب الذي تجاوز فيه صعاب الحياة وشقاوتها للوصول إلى هدفه المنشود….فهو فنان يؤدي فنه بالطريقة التي يحب …دمت عز الدين الامير ولتبقى عزاً للدين وأميراً بأداء الكلمة الملتزمة آملاً ان يلقى ما تغنيه صدى من يحب الغناء الملتزم بعد ان باتت الأغنية بضياع بين الفوضى والالتزام بعد الالتزام بقوالب التأليف الموسيقي من خلال الكلام الركيك واللحن السيء…لتصبح نوعاً من التخريب.

شاهد أيضاً

جلسة تصوير “رومانسية لريهام أيمن وشريف رمزي من المصور إسلام سليمان

سامح علي خضع الفنان شريف رمزي وزوجته الفنانة ريهام أيمن لجلسة تصوير مع المصور إسلام …