حي على الفساد

عبد الرازق أحمد الشاعر
[email protected]

بلا ثمن، عليك أن تجر قدميك المتعبتين نحو الهلاك، وأن تحمل تشققات جلدك ولون بشرتك وتفاصيل وجهك، وأن تقف وجها لوجه أمام رجل يحمل بصمات عريك

نفسها، وانحناءات عمودك الفقري، وآلام الانتظار الممض. وهناك، في ساحة المجد، يمكنك أن توجه سلاحك نحو عينيه المتعبتين من طول السهر، ويمكنك أن تفرغ

في أحشائه الفارغة ما جاد به المستعمرون الجدد. ولكن، أنصحك أن لا تنظر في عينيه، ففي بؤبؤيهما تاريخ مهزوم تشاطرتماه، ومستقبل كالح السواد لن تخلفا فيه

إلا انكسارات كبيرة لطوابير من التعساء بعدكم. كن قابيل الذي لا يريد امرأة ولا وطنا ولا حياة ..جدد نية القتل كل حين، ولا تأخذك بأخيك شفقة ولا هوادة، فالقتل

أصدق إنباء من الكتب التي لم تحيي بلادنا الجدباء بعد موتها.

تقاسمتما على البسيطة التعب، والذل، والمهانة. واليوم، ينتصر الرصاص على القصاص. فاليد الواثقة خير من تلك التي ترتعش فوق الزناد، وفي كل شر. ولا تبتئس

إن لم يمر غراب ليعلمك كيف تواري سوأة أخيك، فقريبا، تتقاسمان الحفرة نفسها، وتلقيكما جرافة عابرة في الأخدود نفسه، وقد ترتطم رأسه برأسك قبل أن يهال فوق

جبهتيكما التراب، لكنك حينها لن تشعر بالألم الذي كان يملأ صدرك وقلبك ورئتيك كلما قابلته في الأسواق وأدرت وجهك.

ولو دفنك نباشو التاريخ على جنبك الأيمن، وألقوه على جنبه الأيسر، وتلاقيتما وجهين كالحين يعلوهما التراب والسواد، فلن يعرف أحدكما الآخر، ولن ترتفع يد أحدكما

للعراك أو العناق. ولن يتحرك الخنجران من غمديهما. فقط، سوف تستسلمان لصمت كئيب مريب طويل.

اضغط زنادك وكن قابيل الأخير، ولا تؤمن إلا لمن ارتضى العنف والبغضاء والكراهية دينا. دعك من الطيبين الذين لطالما مدوا أيديهم بالسلام، فصكهم الأعداء على

أقفيتهم ومؤخراتهم دون حياء، ودون رحمة. فلا فرق في دين الكراهية بين الصاحب بالجنب أو الصاحب بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، أو بين أبناء الملة والذميين

والخونة. وحين تفرغ من أخيك، سيكون لديك في مدن الخراب متسع من الحمق لتفكر في عدوك. فتضع الخطة تلو الخطة لتقيم دولة الخلافة في مدن التخلف، فترفع

من تشاء وتخفض من تشاء، حتى يكتمل بناء مملكة الرعب.

لم يبق على أعتاب حلمك القديم إلا دولة أو دولتين. وحين تنكس كل الأعلام التي رفرفت فوق رأسك المتصلب ذات تاريخ، يمكنك أن تصنع منها علما واحدا أو كفنا

ملونا تلف به عريك الأخير. وحين تنتهي من صولاتك وجولاتك أيها العربي المغوار، وتتسلم قصب السبق، لن تجد الله هناك. لن تجد الله تحت أنقاض البيوت أو المآذن

المهدمة، ولن تجده بين أكوام الجماجم التي شيدت بها سلمك نحو الخلافة. ولن تجد نفسك خليفة، لأنك ستكون رائدا في البطش والهمجية والتخلف بلا منازع.

ستكون الغبي الأكبر فوق خارطة طاعنة في الهمجية، ولن يشفي غليلك أنهار الدم المصفي ولا الأشلاء ولا الحطام. ستحارب ظلك حتى النفس الأخير وحتى تشرق

شمس الغرب من مخدعك. أيها الغبي الأشقى .. كن كديكارت، وحارب في كل الجبهات، واقتل من شئت من إخوتك، ولا تنس التكبير عند الذبح أو بعده. فكل ما تفعله

جهاد، وكل من تقتله كافر، وقتلاكم في جنة الحمق، وقتلاهم – أي هم – في نار البغضاء.

اقتل ودافع عن خريطة الأشلاء بخيلك ورجلك، واقتل من استطعت من إخوتك، قبل أن يقتلوك. وحين تعجز عن حصد كل الرقاب، وتحين ساعتك، يمكنك أن ترفع رأسك

عاليا قبل أن يجزها أخ أو صديق. وحين تلتقون رفاق حمق في قعر هاوية حفرتموها بكل يقين، لن تشمت في أحد، ولن يشمت فيك أحد .. ستكونون سواء ..

ستكونون حينها سواء، وتصبحون لأول مرة أسويا

شاهد أيضاً

الأزمة في تونس: كيف وصلت البلاد إلى هذه المرحلة؟

تحقيق/حماده جمعه في عام 2011 انطلقت شرارة ربيع الثورات العربية من تونس، وما لبثت أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *